عالم الفقراء الجدد
عالم الفقراء الجدد
هذا الكتاب
اسم الكتاب: عالم الفقراء الجدد: كيف غيرت الأزمة المالية النظام الاقتصادي العالمي والإسلامي و العربي
المؤلف*: خالد يوسف المقدادي
الناشر: دار النفائس للنشر والتوزيع –الأردن
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، حمدا يوافي نعمه جل جلاله ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على سيد المرسلين المبعوث رحمة للعالمين نعمة من الله تعالى على عباده المؤمنين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فمما لا شك فيه أن يوم 15/8/2008 أو الاثنين الأسود كما بات يعرف، قد شكل علامة فارقة في التاريخ الحديث للعالم أجمع، بل إننا لا نبالغ إذا قارناه بأيام كيوم الأربعاء الأسود، والذي أشعل أزمة الكساد الكبير عام 29 من القرن الماضي، أو يوم إنزال النورماندي والذي جاء ليعلن سقوط قوى قديمة وظهور أخرى محلها، أو حتى يوم سقوط جدار برلين والذي أعلن من خلاله عن وفاة الاشتراكية العالمية وبقاء النظام الرأسمالي النيوكلاسيكي كقطب أوحد يحكم العالم قاطبة، إلى يوم الحادي عشر من أيلول عام 2001 والذي أعلن عن بدء صراح الحضارات بين الغرب والشرق الإسلامي العربي، وما يميز بيوم الاثنين الأسود أنه كان بمثابة إعلان انتهاء نظرية القطب الأوحد وموت الرأسمالية الجديدة بشكلها الحالي على أقل تقدير، واستيقاظ العالم على دوي أزمة مالية عالمية أيقظته من سبات الاستهلاك المفرط والأحلام الجشعة بتقديس ثقافة من يملك المال، لتشب نيران هذه الأزمة وتحرق مكتسبات أسواق المال لتخسر ثلث ثرواتها ومعها الترليونات من أموال الأمم الأخرى، الذين وثقوا بها كالعرب والآسيويين مثلا، ومع دخانها الملتهب تبخرت أحلام الملايين بل المليارات من البشر العاديين الذين وضعوا ثرواتهم بأيدي مضاربي تلك الأسواق، واستودعوا أحلامهم أمانة بأيدي حكوماتهم التي خذلتهم بسبب فشل النموذج الرأسمالي الحالي، والذي عجز عن معادلة الأسواق أو تصحيحها دون تدخل حاد من الحكومات، وتأميم ما هو أكبر من أن يفشل على حساب الملايين ممن خسروا كل شيء حتى كرامتهم، وليبزغ فجر عصر جديد فيه تعدد للأقطاب الاقتصادية العالمية المسيطرة، ذات الأصوات الرافضة للرضوخ للنظام الاقتصادي الحاكم الآن وتطالب بملء حناجرها بضرورة التحول إلى نظم اقتصادية أكثر رحمة وأقل ضررا بالبشرية، ومن هنا جاء يوم الاثنين الأسود ليعلن ولادة عالم ما بعد الأزمة بكل مظاهره الجديدة.
ويحاول هذا الكتاب إلقاء الضوء على عالم ما بعد نيران الأزمة المالية العالمية، والتي أتت على كل قطاعات الاقتصاد وأسواق المال العالمية، وبشكل مفيد ومختصر، فالعالم اليوم للأسف صار أكثر قتامة وأكثر بؤسا وفقرا وبطالة ومرضا للمليارات من أبناء العالم، و تبعات الأزمة أخرجت الملايين من أحضان الطبقة الوسطى الدافئة وقذفت بهم إلى شوارع البطالة والفقر والديون ،وطردوا من المنازل واطروا للنوم في العراء لينضموا إلى المليارات من فقراء العالم الذين ازدادوا فقرا هم الآخرون، وقد نجم عنها ما سميته بظاهرة الفقراء الجدد، والتي هي نقيض الحالة التي أصابت العديدين منهم قبلا ألا وهي ظاهرة الأغنياء الجدد، أو محدثي النعمة، والتي غذتها سنوات من الاستهلاك المفرط والمغذى من الديون وعلى المكشوف؛ حتى أصبح الاقتصاد العالمي بجميع قطاعاته الإنتاجية معتمدا على اقتصاد الفائدة المتراكمة والديون، فبات كبيت الورق الذي انتظر ريح الأزمة العقارية لتفضح وهنه، ولم تكتف الأزمة بإفقار الطبقة الوسطى والقضاء على العديد من ميزاتها التي راكمتها عبر السنين، بل لحقت الأزمة بالأغنياء والأثرياء من المجتمع: فقللت من ثرواتهم وأعيت استثماراتهم وقللت العديد من مظاهر الرفاهية والاستهلاكية في العالم، وهو ما يثبت فرضية أن العالم قد تغير عقب الأزمة ليصبح أفقر خاصة الدول التي تأثرت بها.
ويظهر هذا الكتاب مقدار تأثير هذه الأزمة على الملايين من البشر، والذين فقدوا أحلامهم بالازدهار معها، وفقدوا العديد من الامتيازات التي كانت متاحة لهم بفضل الاستهلاك المغذى بالديون، وينظر هذا الكتاب لنتائج الأزمة من عيون عربية إسلامية دامعة بسبب الخسائر التي لحقت بالدول الإسلامية والعربية، خاصة الشرق أوسطية منها، ويقارن الحال سابقا بما حصل عقب الأزمة، ويقيس بالأرقام ما حدث مع الملايين من أبناء الدول العربية والإسلامية التي تأثرت بالأزمة، لينضموا إلى دول الفقراء الجدد الغربية بفضل عولمة مصائب الأزمة وسرعة انتقالها عبر تشابكات الأسواق المالية العالمية واعتماد اقتصاد اليوم على الاستثمار الأجنبي المتبادل، كما يقيس هذا الكتاب أهم التغيرات على العادات الاستهلاكية والتغيرات السيسيو إكونوميك والتي عانى منها الملايين من أبناء الفقراء الجدد في الوطن العربي وحول العالم، ويظهر كيف أن الجريمة والفقر والبطالة والمرض والاكتئاب وغيرها من تبعات نفسية واجتماعية واقتصادية قد حدثت لضحايا تلك الأزمة البغيضة.
وقد لجأ الكاتب إلى إثبات أن العالم قد تغير عقب الأزمة وأن ظاهرة الفقراء الجدد قد تحققت كنتيجة مباشرة لها، باستخدام المنهج الوصفي التحليلي، وذلك من خلال تحليل البيانات الثانوية والنابعة من نتائج أهم الأبحاث والتقارير والدراسات التي نشرت، سواء أكان ذلك محليا خاصا بالوطن العربي أم عالميا غربيا، كما أورد الكاتب العديد من آراء الباحثين والخبراء الدوليين والمحليين، سواء تلك الآراء المثبتة لوجهة نظر الكاتب أم تلك المغايرة والرافضة لها؛ لتحقيق أعلى قدر من الموضوعية في التوصل لنتيجة سبب الأزمة وسرد أهم تبعاتها عالميا ومحليا بما يؤدي إلى فهم أعمق لظاهرة الفقراء الجدد وما تعنيه من تحول عالمي للعالم أجمع.
ويقسم الكتاب إلى ثمانية فصول، كل فصل منها يحتوي على موضوعات خاصة ومنفصلة ذات علاقة بمفهوم الظاهرة وتبعاتها المحلية والعالمية، ويبدأ الكاتب الفصل الأول بالحديث عن كيفية عودة انتقال الثروة من شمال العالم إلى جنوبه وما ساهمت به الأزمة من تعزيز هذا الانتقال ونشوء عالم الفقراء الجدد، ويعرج الكاتب في هذا الفصل على مفهوم ظاهرة الفقراء الجدد وما يعنيه هذا المصطلح من ناحية اقتصادية واجتماعية، ويبين مراحل التغير التاريخي وأسباب صعود وازدياد الثروات في الطبقات الوسطى، خاصة في الدول العربية.
ويرصد الكاتب في الفصل الثاني آثار الأزمة المالية العالمية على العالم الغربي بداية، ومن ثم انتقالها إلى دول الشرق الأوسط، بما اسماه موجات التسونامي المالي العالمي، ويصف الكاتب الآثار الإقتصادية لكل موجة منها، ويبين بالأرقام مدى تضرر الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط ، خاصة دول الخليج من تبعات الأزمة، ويسرد أحداث تشكل الفقاعات الإقتصادية وانفجارها في الاقتصاد الغربي ويقيسه على العربي، ينهي بمقارنة تاريخية بين تلك الآثار للأزمة الحديثة و آثار ما سبقها من أزمات مالية كبرى كأزمة الكساد الكبير أو غيرها من أزمات مرت بالعالم، ويبين أوجه التشابه في صفات الأزمة الحالية وما سبقها للخروج بدروس مستفادة كيف أن التاريخ يعيد نفسه باستمرار.
ويناقش الفصل الثالث أسباب قيام الأزمة ويحلل تلك الأسباب بناء على احدث النظريات الإقتصادية والتي طرحت من قبل الكتاب العرب والغربيين على وجه واحد، فمن تعريف الأزمة وأنواعها مرورا بأهم النظريات المفسرة لوقوعها من مثل، نظرية فرط الاستهلاك وأثرها على التضخم الذي أفرز الأزمة، و نظرية هرم الاقتصاد العالمي المقلوب، وفرضية فشل نظرية السوق العادلة الحديثة نسبيا، ومناقشة نظرية الروح الحيوانية وأثرها في تشكل الأزمة المالية والتي كانت محورا للنقاش العلمي حول أسباب الأزمة في الآونة الأخيرة، ومناقشة غياب الجانب الأخلاقي وهل كان ذا اثر حقيقي على تشكل الأزمة، وانتهاء بمناقشة الفرضيات المتعلقة بالأزمة المالية ونظريات المؤامرة والتي طرحت بكثرة مؤخرا.
أما الفصل الرابع فيصف أهم التغيرات التي طرأت للمليارات من البشر وعلى لأخص على الملايين من الفقراء الجدد بمؤسساتهم وشركاتهم وأسواقهم وحكوماتهم، في عالم ما سماه الكاتب عالم ما بعد الأزمة، ويوضح الكاتب بسرد الأرقام والإحصائيات عن أهم الدراسات الخاصة بالأزمة المالية وتأثيراتها على المنطقة العربية والإسلامية والعالم، فعالم الفقراء الجدد ما بعد الأزمة قد تغير كثيرا عما قبلها، فأصبح عالما اقل استهلاكا، وأكثر فقرا وبطالة، وأكثر إجراما وحمائية وتطرفا وعبودية، فقد تغيرت ملامح وصفاتها البشرية الاستهلاكية، خاصة في دول الفقراء الجدد، وتتوفر في هذا الفصل معلومات تحليلية تثبت وقوع ظاهرة الفقراء الجدد و فرضية أن العالم قد صار أكثر فقرا بالنسبة لدول الأزمة.
وفي الفصل الخامس من هذا الكتاب، يناقش فيه الكاتب ما حدث مع البنوك والمحافظ والشركات المالية العربية والعالمية، ويحلل أهم التغيرات التي طرأت على طبيعة العمل المصرفي والمالي في الأسواق المالية العالمية والعربية، التي تغيرت تغيرا ملحوظا عقب الأزمة على حد سواء، ويناقش الكاتب أخطاء الجشع وحمى المضاربة بالمشتقات التي أعمت أو تعامت عنها عيون الرقابة الحكومية، وكيف أن العلاقة بين القطاع المالي والمصرفي وحكومات دول الفقراء الجدد ومؤسساتها وبنوكها المركزية قد تغير،. وحتى نظرة العامة إلى المصرفيين عقب الأزمة قد تغيرت أيضا. وقد ناقش هذا الفصل معنى تغير العلاقة تلك، كما ناقش أهم الإصلاحات المنوي عقدها أو التي نفذت من ناحية القوانين الضريبية والرقابية البنكية والحوكمة، التي ظهرت نقاشاتها كإفراز مباشر لنتيجة الأزمة وما ستعنيه تلك الإصلاحات للعمل المصرفي والمالي العربي، وينتهي الفصل بأهم التغيرات الإدارية، وتغير طبيعة القرار الاستثماري للشركات العربية، خاصة العائلية منها، والتي ظهرت نتيجة مطالبة المساهمين أو الحكومات بها عقب الخسائر الهائلة التي لحقت بصناديق الاستثمار السيادية والممولة من فائض أموال تلك الشركات، وهو من شأنه أن يغير في طبيعة الاستثمار العربي في الفترة المقبلة وأن يجعله ذا طابع محلي أكثر.
وجاء الفصل السادس ليعطي الكاتب فيه مثالا على ظاهرة الفقراء الجدد وتأثيرها على المنطقة العربية، بدراسة حالة أزمة دبي، وهو موضوع جديد وشائك حاليا، لم يخض فيه العديد من المحللين بشكل موضوعي، فبداية سرد الكاتب أسباب ازدهار دبي وتميزها، ومن ثم عدد الانجازات التي حققتها في خضم عصرها الذهبي، إلى أن جاءت عاصفة الأزمة المالية العالمية والتي أثرت كثيرا على صناعة العقار والمال فيها، وهو ما نتج عنه حدوث أزمة دبي العالمية وتراكم الديون وتعثر سدادها، وقد ناقش الكاتب أسباب حدوث هذه الأزمة وحلل آثارها الحالية والمستقبلية على نمو دبي، لينهي بمناقشة الحلول التي اتخذتها حكومة دبي وعمليات الإصلاح الحاصلة في الإمارة مما يلقي ضوءا على مستقبلها الاقتصادي والمالي.
وفي الفصل السابع ، ناقش فيه الكاتب الظاهرة من منظور إسلامي، فذكر ضوابط الاقتصاد الإسلامي و مميزات هذا الاقتصاد على نظيره الوضعي، وانتقل للحديث عن صناعة الصيرفة الإسلامية، سواء تلك المتعلقة بالبنوك والمصارف أم الأسواق المالية الإسلامية وشركات التكافل الإسلامي، وما يمكن أن توفره منتجاتها من بدائل لمنتجات الاقتصاد الوضعي، وذكر بالأرقام الإنجازات الضخمة التي حققتها هذه الصناعة الناشئة بقوة، وانتقل إلى الحديث عن معوقات هذه الصناعة الجديدة بشكلها الحالي، والتحديات التي تواجهها ، ومن ثم عرج الكاتب على أزمة الصكوك الإسلامية، والتي هي حديث الساعة في عالم الصيرفة الإسلامية، وناقش أسبابها وأهم أثارها على الاقتصاد الإسلامي والعالمي، لينهي بحلول مقترحة لعلاج الأزمة، ويبين ما يمكن أن توفره مميزات وضوابط الاقتصاد الإسلامي من حلول عملية لظاهرة الفقراء الجدد.
وينتهي الكتاب بفصله الثامن، الذي تحدث فيه الكاتب عن النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وناقش أهم التغيرات التي طرأت على النظام الحالي ومؤسساته المالية عقب الأزمة، ومن ثم انتقل للحديث عن ظاهرة موازية هي ظاهرة تشكل الأغنياء الجدد في مجتمعات الدول النامية ذات الأسواق الصاعدة، وذكر أهم أسباب تفوق وازدهار تلك المجتمعات والدول، وليذكر صعود التنين الصيني، كمثل واضح، على الأغنياء الجدد في العالم، وعدد مميزات وإنجازات الاقتصاد الصيني، وانتقل للحديث عن الصراع الدائر بين دول الأغنياء الجدد مثل مجموعة البريكس ودول الفقراء الجدد كمجموعة الثمانية القديمة، ومطالبتها لزيادة حقوقها في المؤسسات الدولية كافة، والذي ينعكس على زيادة نفوذها العالمي كدليل على اشتداد عود تلك الدول ومنافستها على موارد الصناعة العالمية مع الإمبراطوريات السابقة أو القائمة حاليا، ويتجلى هذا الصراع بين معسكر الشرق بقيادة الصين ومعسكر الغرب بقيادة أمريكا، وما يحويه هذا الصراع من حروب عملات وإجراءات حمائية وغيرها، والذي قد يفضي يوما ما إلى حروب حقيقية، وتحدث الكاتب عن أهم الإصلاحات المزمع عملها للنظام الاقتصادي والنقدي العالمي وتشكيل نظام اقتصادي عالمي جديد، ودور العالم العربي والإسلامي فيه، ليختم بإلقاء نظرة على مصير الفقراء الجدد وما ستنتهي الأزمة بهم إليه، ويختتم الكتاب بتيان طريق النجاة، وإلى أين ستؤول إليه أمور الاقتصادي العالمي.
وقد حاول الكاتب من خلال هذا الكتاب، الذي تطرق إلى عدد كبير من المواضيع الساخنة ومناقشتها بأسلوب علمي مبني على بيانات موثقة، وذلك أن يخرج بفكرة حقيقية عن ما ذا حدث للعالم بسبب الأزمة، وما ستؤول إليه الأوضاع مستقبلا، خاصة أوضاع المليارات من أبناء دول الفقراء الجدد، كما حاول أن يخرج بفكرة أساسية كحل رئيسي للضائقة العالمية، ألا وهي ضرورة التعاون الدولي بين أمم العالم كافة، أغنيائها وفقرائها، الجدد أو القدامى، فلا كبير في عالم ما بعد الأزمة، ولا مجال للتناحر والتقاعس عن إصلاح النظام الاقتصادي العالمي، وإلا فإن الخيار البديل هو البقاء رهينة الأزمات المتتالية والتناحر على ما بقي من موارد اقتصادية،والذي سيفضي إلى حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر.
وانتقاد الكاتب لدول الأزمة لم يأت بدافع التشفي أو الشفقة، بل بدافع إلقاء الضوء على حقيقة الوضع كما هو دون خداع أو تجميل وبشكل موضوعي علمي، وذلك في سبيل الوصول إلى حل عملي ينقذ ما يمكن إنقاذه، قبل غرق سفينة الاقتصاد العالمي بسبب الطمع الأعمى للقلة المحتكرة وسوء توزيع الموارد المتاحة لازدهار البشرية جمعاء ، والله دوما من وراء القصد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
خالد غسان يوسف المقدادي
* كاتب مقالات اقتصادية ومحلل معتمد في الصيرفة والتمويل الإسلامي من المعهد الإداري والمحاسبي البريطاني في لندن CIMA.
المؤلف*: خالد يوسف المقدادي
الناشر: دار النفائس للنشر والتوزيع –الأردن
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، حمدا يوافي نعمه جل جلاله ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على سيد المرسلين المبعوث رحمة للعالمين نعمة من الله تعالى على عباده المؤمنين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فمما لا شك فيه أن يوم 15/8/2008 أو الاثنين الأسود كما بات يعرف، قد شكل علامة فارقة في التاريخ الحديث للعالم أجمع، بل إننا لا نبالغ إذا قارناه بأيام كيوم الأربعاء الأسود، والذي أشعل أزمة الكساد الكبير عام 29 من القرن الماضي، أو يوم إنزال النورماندي والذي جاء ليعلن سقوط قوى قديمة وظهور أخرى محلها، أو حتى يوم سقوط جدار برلين والذي أعلن من خلاله عن وفاة الاشتراكية العالمية وبقاء النظام الرأسمالي النيوكلاسيكي كقطب أوحد يحكم العالم قاطبة، إلى يوم الحادي عشر من أيلول عام 2001 والذي أعلن عن بدء صراح الحضارات بين الغرب والشرق الإسلامي العربي، وما يميز بيوم الاثنين الأسود أنه كان بمثابة إعلان انتهاء نظرية القطب الأوحد وموت الرأسمالية الجديدة بشكلها الحالي على أقل تقدير، واستيقاظ العالم على دوي أزمة مالية عالمية أيقظته من سبات الاستهلاك المفرط والأحلام الجشعة بتقديس ثقافة من يملك المال، لتشب نيران هذه الأزمة وتحرق مكتسبات أسواق المال لتخسر ثلث ثرواتها ومعها الترليونات من أموال الأمم الأخرى، الذين وثقوا بها كالعرب والآسيويين مثلا، ومع دخانها الملتهب تبخرت أحلام الملايين بل المليارات من البشر العاديين الذين وضعوا ثرواتهم بأيدي مضاربي تلك الأسواق، واستودعوا أحلامهم أمانة بأيدي حكوماتهم التي خذلتهم بسبب فشل النموذج الرأسمالي الحالي، والذي عجز عن معادلة الأسواق أو تصحيحها دون تدخل حاد من الحكومات، وتأميم ما هو أكبر من أن يفشل على حساب الملايين ممن خسروا كل شيء حتى كرامتهم، وليبزغ فجر عصر جديد فيه تعدد للأقطاب الاقتصادية العالمية المسيطرة، ذات الأصوات الرافضة للرضوخ للنظام الاقتصادي الحاكم الآن وتطالب بملء حناجرها بضرورة التحول إلى نظم اقتصادية أكثر رحمة وأقل ضررا بالبشرية، ومن هنا جاء يوم الاثنين الأسود ليعلن ولادة عالم ما بعد الأزمة بكل مظاهره الجديدة.
ويحاول هذا الكتاب إلقاء الضوء على عالم ما بعد نيران الأزمة المالية العالمية، والتي أتت على كل قطاعات الاقتصاد وأسواق المال العالمية، وبشكل مفيد ومختصر، فالعالم اليوم للأسف صار أكثر قتامة وأكثر بؤسا وفقرا وبطالة ومرضا للمليارات من أبناء العالم، و تبعات الأزمة أخرجت الملايين من أحضان الطبقة الوسطى الدافئة وقذفت بهم إلى شوارع البطالة والفقر والديون ،وطردوا من المنازل واطروا للنوم في العراء لينضموا إلى المليارات من فقراء العالم الذين ازدادوا فقرا هم الآخرون، وقد نجم عنها ما سميته بظاهرة الفقراء الجدد، والتي هي نقيض الحالة التي أصابت العديدين منهم قبلا ألا وهي ظاهرة الأغنياء الجدد، أو محدثي النعمة، والتي غذتها سنوات من الاستهلاك المفرط والمغذى من الديون وعلى المكشوف؛ حتى أصبح الاقتصاد العالمي بجميع قطاعاته الإنتاجية معتمدا على اقتصاد الفائدة المتراكمة والديون، فبات كبيت الورق الذي انتظر ريح الأزمة العقارية لتفضح وهنه، ولم تكتف الأزمة بإفقار الطبقة الوسطى والقضاء على العديد من ميزاتها التي راكمتها عبر السنين، بل لحقت الأزمة بالأغنياء والأثرياء من المجتمع: فقللت من ثرواتهم وأعيت استثماراتهم وقللت العديد من مظاهر الرفاهية والاستهلاكية في العالم، وهو ما يثبت فرضية أن العالم قد تغير عقب الأزمة ليصبح أفقر خاصة الدول التي تأثرت بها.
ويظهر هذا الكتاب مقدار تأثير هذه الأزمة على الملايين من البشر، والذين فقدوا أحلامهم بالازدهار معها، وفقدوا العديد من الامتيازات التي كانت متاحة لهم بفضل الاستهلاك المغذى بالديون، وينظر هذا الكتاب لنتائج الأزمة من عيون عربية إسلامية دامعة بسبب الخسائر التي لحقت بالدول الإسلامية والعربية، خاصة الشرق أوسطية منها، ويقارن الحال سابقا بما حصل عقب الأزمة، ويقيس بالأرقام ما حدث مع الملايين من أبناء الدول العربية والإسلامية التي تأثرت بالأزمة، لينضموا إلى دول الفقراء الجدد الغربية بفضل عولمة مصائب الأزمة وسرعة انتقالها عبر تشابكات الأسواق المالية العالمية واعتماد اقتصاد اليوم على الاستثمار الأجنبي المتبادل، كما يقيس هذا الكتاب أهم التغيرات على العادات الاستهلاكية والتغيرات السيسيو إكونوميك والتي عانى منها الملايين من أبناء الفقراء الجدد في الوطن العربي وحول العالم، ويظهر كيف أن الجريمة والفقر والبطالة والمرض والاكتئاب وغيرها من تبعات نفسية واجتماعية واقتصادية قد حدثت لضحايا تلك الأزمة البغيضة.
وقد لجأ الكاتب إلى إثبات أن العالم قد تغير عقب الأزمة وأن ظاهرة الفقراء الجدد قد تحققت كنتيجة مباشرة لها، باستخدام المنهج الوصفي التحليلي، وذلك من خلال تحليل البيانات الثانوية والنابعة من نتائج أهم الأبحاث والتقارير والدراسات التي نشرت، سواء أكان ذلك محليا خاصا بالوطن العربي أم عالميا غربيا، كما أورد الكاتب العديد من آراء الباحثين والخبراء الدوليين والمحليين، سواء تلك الآراء المثبتة لوجهة نظر الكاتب أم تلك المغايرة والرافضة لها؛ لتحقيق أعلى قدر من الموضوعية في التوصل لنتيجة سبب الأزمة وسرد أهم تبعاتها عالميا ومحليا بما يؤدي إلى فهم أعمق لظاهرة الفقراء الجدد وما تعنيه من تحول عالمي للعالم أجمع.
ويقسم الكتاب إلى ثمانية فصول، كل فصل منها يحتوي على موضوعات خاصة ومنفصلة ذات علاقة بمفهوم الظاهرة وتبعاتها المحلية والعالمية، ويبدأ الكاتب الفصل الأول بالحديث عن كيفية عودة انتقال الثروة من شمال العالم إلى جنوبه وما ساهمت به الأزمة من تعزيز هذا الانتقال ونشوء عالم الفقراء الجدد، ويعرج الكاتب في هذا الفصل على مفهوم ظاهرة الفقراء الجدد وما يعنيه هذا المصطلح من ناحية اقتصادية واجتماعية، ويبين مراحل التغير التاريخي وأسباب صعود وازدياد الثروات في الطبقات الوسطى، خاصة في الدول العربية.
ويرصد الكاتب في الفصل الثاني آثار الأزمة المالية العالمية على العالم الغربي بداية، ومن ثم انتقالها إلى دول الشرق الأوسط، بما اسماه موجات التسونامي المالي العالمي، ويصف الكاتب الآثار الإقتصادية لكل موجة منها، ويبين بالأرقام مدى تضرر الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط ، خاصة دول الخليج من تبعات الأزمة، ويسرد أحداث تشكل الفقاعات الإقتصادية وانفجارها في الاقتصاد الغربي ويقيسه على العربي، ينهي بمقارنة تاريخية بين تلك الآثار للأزمة الحديثة و آثار ما سبقها من أزمات مالية كبرى كأزمة الكساد الكبير أو غيرها من أزمات مرت بالعالم، ويبين أوجه التشابه في صفات الأزمة الحالية وما سبقها للخروج بدروس مستفادة كيف أن التاريخ يعيد نفسه باستمرار.
ويناقش الفصل الثالث أسباب قيام الأزمة ويحلل تلك الأسباب بناء على احدث النظريات الإقتصادية والتي طرحت من قبل الكتاب العرب والغربيين على وجه واحد، فمن تعريف الأزمة وأنواعها مرورا بأهم النظريات المفسرة لوقوعها من مثل، نظرية فرط الاستهلاك وأثرها على التضخم الذي أفرز الأزمة، و نظرية هرم الاقتصاد العالمي المقلوب، وفرضية فشل نظرية السوق العادلة الحديثة نسبيا، ومناقشة نظرية الروح الحيوانية وأثرها في تشكل الأزمة المالية والتي كانت محورا للنقاش العلمي حول أسباب الأزمة في الآونة الأخيرة، ومناقشة غياب الجانب الأخلاقي وهل كان ذا اثر حقيقي على تشكل الأزمة، وانتهاء بمناقشة الفرضيات المتعلقة بالأزمة المالية ونظريات المؤامرة والتي طرحت بكثرة مؤخرا.
أما الفصل الرابع فيصف أهم التغيرات التي طرأت للمليارات من البشر وعلى لأخص على الملايين من الفقراء الجدد بمؤسساتهم وشركاتهم وأسواقهم وحكوماتهم، في عالم ما سماه الكاتب عالم ما بعد الأزمة، ويوضح الكاتب بسرد الأرقام والإحصائيات عن أهم الدراسات الخاصة بالأزمة المالية وتأثيراتها على المنطقة العربية والإسلامية والعالم، فعالم الفقراء الجدد ما بعد الأزمة قد تغير كثيرا عما قبلها، فأصبح عالما اقل استهلاكا، وأكثر فقرا وبطالة، وأكثر إجراما وحمائية وتطرفا وعبودية، فقد تغيرت ملامح وصفاتها البشرية الاستهلاكية، خاصة في دول الفقراء الجدد، وتتوفر في هذا الفصل معلومات تحليلية تثبت وقوع ظاهرة الفقراء الجدد و فرضية أن العالم قد صار أكثر فقرا بالنسبة لدول الأزمة.
وفي الفصل الخامس من هذا الكتاب، يناقش فيه الكاتب ما حدث مع البنوك والمحافظ والشركات المالية العربية والعالمية، ويحلل أهم التغيرات التي طرأت على طبيعة العمل المصرفي والمالي في الأسواق المالية العالمية والعربية، التي تغيرت تغيرا ملحوظا عقب الأزمة على حد سواء، ويناقش الكاتب أخطاء الجشع وحمى المضاربة بالمشتقات التي أعمت أو تعامت عنها عيون الرقابة الحكومية، وكيف أن العلاقة بين القطاع المالي والمصرفي وحكومات دول الفقراء الجدد ومؤسساتها وبنوكها المركزية قد تغير،. وحتى نظرة العامة إلى المصرفيين عقب الأزمة قد تغيرت أيضا. وقد ناقش هذا الفصل معنى تغير العلاقة تلك، كما ناقش أهم الإصلاحات المنوي عقدها أو التي نفذت من ناحية القوانين الضريبية والرقابية البنكية والحوكمة، التي ظهرت نقاشاتها كإفراز مباشر لنتيجة الأزمة وما ستعنيه تلك الإصلاحات للعمل المصرفي والمالي العربي، وينتهي الفصل بأهم التغيرات الإدارية، وتغير طبيعة القرار الاستثماري للشركات العربية، خاصة العائلية منها، والتي ظهرت نتيجة مطالبة المساهمين أو الحكومات بها عقب الخسائر الهائلة التي لحقت بصناديق الاستثمار السيادية والممولة من فائض أموال تلك الشركات، وهو من شأنه أن يغير في طبيعة الاستثمار العربي في الفترة المقبلة وأن يجعله ذا طابع محلي أكثر.
وجاء الفصل السادس ليعطي الكاتب فيه مثالا على ظاهرة الفقراء الجدد وتأثيرها على المنطقة العربية، بدراسة حالة أزمة دبي، وهو موضوع جديد وشائك حاليا، لم يخض فيه العديد من المحللين بشكل موضوعي، فبداية سرد الكاتب أسباب ازدهار دبي وتميزها، ومن ثم عدد الانجازات التي حققتها في خضم عصرها الذهبي، إلى أن جاءت عاصفة الأزمة المالية العالمية والتي أثرت كثيرا على صناعة العقار والمال فيها، وهو ما نتج عنه حدوث أزمة دبي العالمية وتراكم الديون وتعثر سدادها، وقد ناقش الكاتب أسباب حدوث هذه الأزمة وحلل آثارها الحالية والمستقبلية على نمو دبي، لينهي بمناقشة الحلول التي اتخذتها حكومة دبي وعمليات الإصلاح الحاصلة في الإمارة مما يلقي ضوءا على مستقبلها الاقتصادي والمالي.
وفي الفصل السابع ، ناقش فيه الكاتب الظاهرة من منظور إسلامي، فذكر ضوابط الاقتصاد الإسلامي و مميزات هذا الاقتصاد على نظيره الوضعي، وانتقل للحديث عن صناعة الصيرفة الإسلامية، سواء تلك المتعلقة بالبنوك والمصارف أم الأسواق المالية الإسلامية وشركات التكافل الإسلامي، وما يمكن أن توفره منتجاتها من بدائل لمنتجات الاقتصاد الوضعي، وذكر بالأرقام الإنجازات الضخمة التي حققتها هذه الصناعة الناشئة بقوة، وانتقل إلى الحديث عن معوقات هذه الصناعة الجديدة بشكلها الحالي، والتحديات التي تواجهها ، ومن ثم عرج الكاتب على أزمة الصكوك الإسلامية، والتي هي حديث الساعة في عالم الصيرفة الإسلامية، وناقش أسبابها وأهم أثارها على الاقتصاد الإسلامي والعالمي، لينهي بحلول مقترحة لعلاج الأزمة، ويبين ما يمكن أن توفره مميزات وضوابط الاقتصاد الإسلامي من حلول عملية لظاهرة الفقراء الجدد.
وينتهي الكتاب بفصله الثامن، الذي تحدث فيه الكاتب عن النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وناقش أهم التغيرات التي طرأت على النظام الحالي ومؤسساته المالية عقب الأزمة، ومن ثم انتقل للحديث عن ظاهرة موازية هي ظاهرة تشكل الأغنياء الجدد في مجتمعات الدول النامية ذات الأسواق الصاعدة، وذكر أهم أسباب تفوق وازدهار تلك المجتمعات والدول، وليذكر صعود التنين الصيني، كمثل واضح، على الأغنياء الجدد في العالم، وعدد مميزات وإنجازات الاقتصاد الصيني، وانتقل للحديث عن الصراع الدائر بين دول الأغنياء الجدد مثل مجموعة البريكس ودول الفقراء الجدد كمجموعة الثمانية القديمة، ومطالبتها لزيادة حقوقها في المؤسسات الدولية كافة، والذي ينعكس على زيادة نفوذها العالمي كدليل على اشتداد عود تلك الدول ومنافستها على موارد الصناعة العالمية مع الإمبراطوريات السابقة أو القائمة حاليا، ويتجلى هذا الصراع بين معسكر الشرق بقيادة الصين ومعسكر الغرب بقيادة أمريكا، وما يحويه هذا الصراع من حروب عملات وإجراءات حمائية وغيرها، والذي قد يفضي يوما ما إلى حروب حقيقية، وتحدث الكاتب عن أهم الإصلاحات المزمع عملها للنظام الاقتصادي والنقدي العالمي وتشكيل نظام اقتصادي عالمي جديد، ودور العالم العربي والإسلامي فيه، ليختم بإلقاء نظرة على مصير الفقراء الجدد وما ستنتهي الأزمة بهم إليه، ويختتم الكتاب بتيان طريق النجاة، وإلى أين ستؤول إليه أمور الاقتصادي العالمي.
وقد حاول الكاتب من خلال هذا الكتاب، الذي تطرق إلى عدد كبير من المواضيع الساخنة ومناقشتها بأسلوب علمي مبني على بيانات موثقة، وذلك أن يخرج بفكرة حقيقية عن ما ذا حدث للعالم بسبب الأزمة، وما ستؤول إليه الأوضاع مستقبلا، خاصة أوضاع المليارات من أبناء دول الفقراء الجدد، كما حاول أن يخرج بفكرة أساسية كحل رئيسي للضائقة العالمية، ألا وهي ضرورة التعاون الدولي بين أمم العالم كافة، أغنيائها وفقرائها، الجدد أو القدامى، فلا كبير في عالم ما بعد الأزمة، ولا مجال للتناحر والتقاعس عن إصلاح النظام الاقتصادي العالمي، وإلا فإن الخيار البديل هو البقاء رهينة الأزمات المتتالية والتناحر على ما بقي من موارد اقتصادية،والذي سيفضي إلى حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر.
وانتقاد الكاتب لدول الأزمة لم يأت بدافع التشفي أو الشفقة، بل بدافع إلقاء الضوء على حقيقة الوضع كما هو دون خداع أو تجميل وبشكل موضوعي علمي، وذلك في سبيل الوصول إلى حل عملي ينقذ ما يمكن إنقاذه، قبل غرق سفينة الاقتصاد العالمي بسبب الطمع الأعمى للقلة المحتكرة وسوء توزيع الموارد المتاحة لازدهار البشرية جمعاء ، والله دوما من وراء القصد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
خالد غسان يوسف المقدادي
* كاتب مقالات اقتصادية ومحلل معتمد في الصيرفة والتمويل الإسلامي من المعهد الإداري والمحاسبي البريطاني في لندن CIMA.